أضرار السكريات على الصحة

أضرار السكريات

تُعد السكريات جزءاً أساسياً من النظام الغذائي الحديث، إذ تتواجد بكثرة في الأطعمة المصنعة والمشروبات الغازية والحلويات والمخبوزات. ورغم أن الجسم يحتاج إلى الجلوكوز كمصدر رئيسي للطاقة، فإن الاستهلاك المفرط للسكريات، وخصوصاً السكريات المضافة، يسبب سلسلة من الأضرار الصحية التي تؤثر على أجهزة متعددة في الجسم، بدءاً من الأيض والهرمونات، وانتهاءً بالقلب والمخ. في هذا المقال الموسع، نستعرض بشكل مفصل الأضرار المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن الإفراط في تناول السكريات، مستندين إلى أحدث الأبحاث العلمية والمصادر الطبية الموثوقة.

أولاً: التأثيرات الأيضية واضطرابات السكر في الدم

أهم ما يُميز أضرار السكريات هو تأثيرها المباشر على مستويات السكر في الدم. عند تناول كميات كبيرة من السكريات، وخصوصاً تلك ذات المؤشر الجلايسيمي المرتفع، يحصل ارتفاع سريع في مستوى الجلوكوز في الدم، مما يدفع البنكرياس لإفراز كميات كبيرة من الإنسولين لمعادلة السكر الزائد.

لكن مع تكرار هذا النمط الغذائي، يُصاب الجسم بما يُعرف بـ مقاومة الإنسولين، وهي الحالة التي يصبح فيها الجسم أقل استجابة لهرمون الإنسولين، ما يؤدي إلى تراكم السكر في الدم ويُعد خطوة أولى نحو الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.

الجدول التالي يوضح العلاقة بين استهلاك السكريات وبعض المؤشرات الأيضية:

ثانياً: السمنة وزيادة الوزن

السكريات المضافة، مثل شراب الذرة عالي الفركتوز، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة الوزن والسمنة، خصوصاً لأنها تزود الجسم بسعرات حرارية فارغة دون قيمة غذائية تُذكر. وعندما تُستهلك بكميات كبيرة، يُحول الفركتوز إلى دهون في الكبد، مما يؤدي إلى:

• زيادة الدهون الحشوية التي تُحيط بالأعضاء الحيوية.

• خلل في هرمونات الشبع والجوع مثل اللبتين والغريلين.

• إفراط في استهلاك السعرات الحرارية بسبب ضعف الإحساس بالشبع بعد تناول السكر.

السمنة الناتجة عن السكريات لا تقتصر على تراكم الدهون، بل تمتد لتُحدث تغيرات في التمثيل الغذائي والهرمونات، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.

ثالثاً: أمراض القلب والشرايين

تشير الدراسات الوبائية إلى أن الاستهلاك العالي للسكريات يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية. هذا الخطر لا ينجم فقط عن السمنة أو السكري، بل لأن السكر نفسه يُحدث عدة تأثيرات ضارة على الجهاز الدوري:

• رفع مستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول الضار (LDL).

• التأثير على بطانة الأوعية الدموية مما يؤدي إلى تدهور مرونتها.

• زيادة الالتهاب الجهازي المزمن، وهو عامل رئيسي في تصلب الشرايين.

وقد وجدت دراسة نُشرت في مجلة “جاما” أن الأشخاص الذين يحصلون على أكثر من 25% من سعراتهم الحرارية اليومية من السكريات المضافة، يزداد خطر وفاتهم بأمراض القلب بأكثر من الضعف مقارنةً بمن يقل استهلاكهم عن 10%.

رابعاً: التأثير على الكبد وتسبب الكبد الدهني

يُعد الفركتوز، وهو نوع من السكريات الأحادية المستخدمة بكثرة في الأطعمة والمشروبات المصنعة، من أكثر العوامل المسببة لـ مرض الكبد الدهني غير الكحولي (NAFLD). إذ يقوم الكبد بتحويل الفركتوز الزائد إلى دهون، ومع الوقت تتراكم هذه الدهون مسببةً التهاباً وتندباً في الكبد.

هذا النوع من الكبد الدهني لا يصاحبه تعاطي للكحول، بل ينتج حصرياً عن النمط الغذائي الغني بالسكريات، ما جعله مرضاً شائعاً في الأطفال والبالغين على حد سواء.

خامساً: تأثير السكريات على الدماغ والصحة النفسية

السكريات لا تؤثر فقط على الجسم، بل تمتد آثارها إلى الدماغ أيضاً. فعند تناول السكر، يُفرز الدماغ مادة الدوبامين، التي تعطي شعوراً مؤقتاً بالسعادة والمتعة. إلا أن هذا التأثير مشابه لما يحدث مع المواد المخدرة، ما يؤدي إلى:

• الإدمان السلوكي على السكر.

• نوبات اكتئاب وقلق بعد انخفاض السكر في الدم.

• ضعف الذاكرة والتركيز على المدى الطويل.

• زيادة خطر الإصابة بأمراض تنكسية في الدماغ مثل الزهايمر.

وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن النظام الغذائي الغني بالسكر يقلل من إنتاج عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، وهو ضروري لتكوين الذاكرة والتعلم.

سادساً: ضعف المناعة وزيادة الالتهابات

تناول كميات عالية من السكر يثبط من نشاط خلايا الدم البيضاء، ويقلل من قدرتها على مكافحة البكتيريا والفيروسات. وتظهر هذه التأثيرات خلال ساعات قليلة بعد تناول وجبة غنية بالسكريات.

كما أن السكر يعزز من الالتهاب المزمن منخفض الدرجة، وهو من العوامل الأساسية وراء العديد من الأمراض المزمنة مثل:

• أمراض القلب.

• السكري.

• السرطان.

• التهابات المفاصل.

سابعاً: تسوس الأسنان وصحة الفم

يُعد السكر الوقود الرئيسي لنمو البكتيريا الفموية المسببة للتسوس، إذ تستهلك هذه البكتيريا السكريات وتُنتج أحماضاً تُضعف مينا الأسنان وتسبب حفرًا تؤدي إلى:

• تسوس الأسنان.

• أمراض اللثة.

• رائحة الفم الكريهة.

• فقدان الأسنان في حالات متقدمة.

ويُعتبر السكر الأبيض والمشروبات الغازية من أكثر العناصر المسببة لهذه المشكلات، خاصة عند استهلاكها بانتظام دون عناية كافية بنظافة الفم.

ثامناً: اختلال الهرمونات وتكيس المبايض

يرتبط الاستهلاك المرتفع للسكر بزيادة خطر الإصابة بمتلازمة تكيس المبايض (PCOS)، وهي حالة هرمونية تؤثر على النساء في سن الإنجاب. السبب الرئيسي يكمن في:

• مقاومة الإنسولين التي تزيد من إفراز الأندروجينات.

• عدم انتظام الدورة الشهرية.

• العقم ومشاكل الخصوبة.

كما يمكن للسكر أن يؤثر على هرمونات النمو والشبع، مثل اللبتين، مما يؤدي إلى اختلال في نظام التوازن الهرموني بالكامل.

تاسعاً: الشيخوخة وتسارع تلف الخلايا

أحد التأثيرات الخفية والخطيرة للسكريات يتمثل في مساهمتها بتسريع عملية الشيخوخة الخلوية من خلال ما يُعرف بـ منتجات الغلايكشن المتقدمة (AGEs). تتشكل هذه المركبات عندما تتحد السكريات بالبروتينات أو الدهون في الجسم، وتُسبب:

• تلف الجلد وظهور التجاعيد المبكرة.

• فقدان مرونة الأنسجة.

• تسارع تلف الأوعية الدموية والأعضاء الحيوية.

عاشراً: مخاطر السرطان

تشير الأدلة الحديثة إلى أن الأنظمة الغذائية الغنية بالسكريات قد تزيد من خطر بعض أنواع السرطان، بسبب:

• زيادة مقاومة الإنسولين التي تُنشط عوامل نمو خلوية معينة.

• البيئة الالتهابية المزمنة التي تسهّل نمو الأورام.

• دعم الخلايا السرطانية بالجلوكوز كمصدر أساسي للطاقة.

وقد ربطت بعض الدراسات بين استهلاك المشروبات المحلاة والإصابة بسرطان البنكرياس، وسرطان القولون، والثدي، وغيرها.

خاتمة علمية

تشير جميع الأدلة السريرية والوبائية إلى أن استهلاك السكريات بكميات مفرطة يُشكل تهديداً حقيقياً للصحة العامة. ومن الضروري الحد من السكريات المضافة، وتبني نمط غذائي متوازن غني بالألياف، والخضروات، والبروتينات الصحية. فالتحكم في السكر لا يقتصر على مرضى السكري، بل هو ضرورة وقائية لصحة جميع الأفراد على اختلاف أعمارهم وظروفهم.

المراجع:

1. Lustig RH, Schmidt LA, Brindis CD. Public health: The toxic truth about sugar. Nature. 2012;482(7383):27-29.

2. DiNicolantonio JJ, O’Keefe JH, Lucan SC. Added Fructose: A Principal Driver of Type 2 Diabetes Mellitus and Its Consequences. Mayo Clin Proc. 2015;90(3):372-381.